أسباب العطس المتكرر: نظرة علمية شاملة

يُعد العطس عملية فسيولوجية معقدة تهدف إلى حماية الجسم من المهيجات البيئية والمواد الغريبة التي قد تدخل الممرات التنفسية. ورغم كونه من الظواهر الطبيعية الشائعة، إلا أن العطس المتكرر قد يكون مؤشراً على وجود اضطرابات أو تحفيزات مزمنة تستدعي فهماً دقيقاً للأسباب الكامنة وراءه. في هذا المقال، سيتم استعراض الأسباب المحتملة للعطس المتكرر من منظور علمي موسع، مع توضيح الآليات البيولوجية المرتبطة به، والعوامل البيئية والوراثية التي تلعب دوراً في حدوثه، فضلاً عن توضيح التداخلات المناعية والعصبية التي تساهم في تلك الظاهرة.

أولاً: ما هو العطس من الناحية الفسيولوجية؟

العطس هو رد فعل لا إرادي يتم تنشيطه عندما يتم تحفيز النهايات العصبية في الغشاء المخاطي للأنف، مما يؤدي إلى انقباض مفاجئ للعضلات التنفسية وطرد الهواء بقوة من الأنف والفم. هذا الطرد السريع يهدف إلى إزالة المواد المهيجة أو الكائنات الدقيقة التي دخلت المجاري التنفسية العليا. يُعد العصب ثلاثي التوائم (Trigeminal nerve) المحور العصبي الأساسي في نقل الإشارات المرتبطة بالعطس إلى مركز العطس في جذع الدماغ.

ثانياً: الأسباب الشائعة للعطس المتكرر

1. حساسية الأنف (التهاب الأنف التحسسي)

تُعتبر حساسية الأنف أحد أكثر الأسباب شيوعاً للعطس المتكرر. تحدث هذه الحالة نتيجة رد فعل مفرط من الجهاز المناعي تجاه مواد غير ضارة تُعرف بالمُحسّسات (Allergens)، مثل:

• غبار الطلع (Pollen)

• عث الغبار المنزلي

• وبر الحيوانات

• الفطريات والعفن

عند التعرض لهذه المواد، يفرز الجسم الهيستامين، وهو مركب كيميائي يؤدي إلى تورم الأغشية المخاطية وزيادة إفراز المخاط، بالإضافة إلى تحفيز العطس بشكل متكرر للتخلص من المحسس.

2. التهاب الأنف غير التحسسي

يُعد التهاب الأنف غير التحسسي من الحالات التي تتشابه في الأعراض مع التهاب الأنف التحسسي، ولكن دون وجود تحسس فعلي لمواد بيئية. تشمل المحفزات الشائعة:

• الروائح القوية (كالعطور أو المواد الكيميائية)

• التغيرات المفاجئة في درجات الحرارة

• الهواء البارد أو الجاف

• تناول أطعمة حارة

هذا النوع من الالتهاب لا يرتبط بآليات مناعية ولكنه يُحفّز الأعصاب الحسية في الأنف، ما يؤدي إلى سلسلة من ردود الأفعال اللاإرادية بما في ذلك العطس المتكرر.

3. العدوى الفيروسية والبكتيرية

تعد نزلات البرد والإنفلونزا من أبرز الأسباب المؤقتة للعطس المتكرر. الفيروسات التنفسية، وخاصة فيروسات الراينوفايروس (Rhinovirus) والفيروسات التاجية الموسمية (غير المرتبطة بـ SARS-CoV-2)، تُسبب التهاباً في الغشاء المخاطي الأنفي، مما يؤدي إلى العطس كوسيلة لإزالة الفيروسات والخلايا الميتة والمخاط الزائد.

4. الملوثات البيئية

يُعد التلوث الهوائي من العوامل التي تؤثر سلباً على الجهاز التنفسي العلوي. الجزيئات الدقيقة الموجودة في الهواء الملوث مثل:

• أكاسيد النيتروجين

• الأوزون الأرضي

• الجسيمات الدقيقة PM2.5

تؤدي إلى تحفيز مستقبلات التهيج في الأنف، وبالتالي تسبب العطس المتكرر كآلية دفاعية.

ثالثاً: العوامل المرتبطة بالجهاز العصبي

1. العطس الناتج عن الضوء (Photic Sneeze Reflex)

هو ظاهرة وراثية تصيب بعض الأشخاص حيث يعطسون عند التعرض المفاجئ للضوء الساطع، خاصة ضوء الشمس. يُعتقد أن هذه الحالة تعود لتداخل غير طبيعي بين العصب البصري والعصب ثلاثي التوائم في الدماغ.

2. العطس كرد فعل انعكاسي

بعض الأشخاص يعانون من “العطس الانعكاسي” كرد فعل لعوامل غير مألوفة، مثل:

• الامتلاء بعد تناول وجبة ثقيلة

• أثناء ممارسة الجنس (أندر بكثير)

• تغيرات عاطفية حادة

وتعزى هذه الظواهر إلى تحفيز مراكز عصبية في الدماغ تتداخل مع مركز العطس في جذع الدماغ.

رابعاً: الأسباب الهرمونية والفيزيولوجية

1. العطس أثناء الحمل

بعض النساء الحوامل يعانين من العطس المتكرر المرتبط بتغيرات هرمونية تؤدي إلى احتقان الأنف، وهي حالة تُعرف باسم “التهاب الأنف الحملي”. يترافق هذا مع زيادة في هرموني الإستروجين والبروجسترون، ما يسبب تورماً في الأنسجة المخاطية للأنف.

2. استخدام بعض الأدوية

بعض الأدوية قد تؤدي إلى العطس كأثر جانبي، من بينها:

• أدوية الضغط مثل مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (ACE Inhibitors)

• مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات

• أدوية مضادة للاحتقان إذا أُفرط في استخدامها

تؤثر هذه الأدوية على الأوعية الدموية في الأنف أو على مستقبلات معينة في الجهاز العصبي، ما يؤدي إلى العطس.

خامساً: الأسباب الهيكلية والتشريحية

1. انحراف الحاجز الأنفي

في حالات انحراف الحاجز الأنفي، قد يصبح مجرى الهواء الأنفي غير منتظم، مما يزيد من تحفيز مستقبلات العطس بسبب تيارات الهواء غير المنتظمة.

2. السلائل الأنفية (Nasal Polyps)

وهي نموات غير سرطانية في الغشاء المخاطي للأنف، تؤدي إلى انسداد جزئي أو كامل للممرات الأنفية. تسبب هذه السلائل تهيجاً مزمناً وقد تحفّز نوبات من العطس المتكرر.

سادساً: العوامل النفسية والتوتر

تؤكد بعض الدراسات أن الحالات النفسية مثل التوتر والقلق يمكن أن تزيد من حساسية الجسم للمحفزات البيئية، بما فيها تلك التي تسبب العطس. الجهاز العصبي المستقل يتأثر بالحالة النفسية، وقد يؤدي ذلك إلى نشاط غير طبيعي في مركز العطس.

سابعاً: الجدول التوضيحي لأسباب العطس المتكرر ومميزاتها

ثامناً: العلاجات الشائعة للعطس المتكرر

1. الأدوية المضادة للهيستامين

تُستخدم لعلاج حالات العطس المرتبط بالحساسية، مثل اللوراتادين والسيتيريزين. تعمل على تثبيط تأثير الهيستامين وتخفيف الأعراض التحسسية.

2. بخاخات الأنف الستيرويدية

مثل فلوتيكازون وموميتازون، والتي تقلل الالتهاب داخل الأنف وتُستخدم في حالات التهاب الأنف المزمن أو السلائل الأنفية.

3. التحكم في البيئة

يُعد تجنب المحفزات البيئية من أكثر الاستراتيجيات فاعلية في تقليل نوبات العطس. يشمل ذلك:

• استخدام فلاتر الهواء

• غسل المفارش بانتظام

• إبقاء الحيوانات الأليفة خارج غرف النوم

4. الجراحة

في بعض الحالات التي تعاني من انحراف شديد في الحاجز الأنفي أو وجود سلائل أنفية كبيرة، قد تكون الجراحة ضرورية لاستعادة التنفس الطبيعي وتقليل تكرار العطس.

المراجع

1. Bousquet, J., Khaltaev, N., Cruz, A. A., et al. (2008). Allergic Rhinitis and its Impact on Asthma (ARIA) 2008 update. Allergy, 63(S86), 8–160. https://doi.org/10.1111/j.1398-9995.2007.01620.x

2. Eccles, R. (2009). Mechanisms of the symptoms of the common cold and influenza. British Journal of Hospital Medicine, 70(2), 71–75. https://doi.org/10.12968/hmed.2009.70.2.39368